اللطائف التفسيرية فى سورة الهمزة المكية
Abstract
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً يا رب العالمين ،،، أما بعد
فإن الله ﷻ قد اختص هذه الأمة بأفضل كتاب أُنزل ، على خير رسول أُرسل ، وأَودع فيه من الآيات الواضحات ، والدلالات البينات ، والبراهين الساطعات لهداية البشر إلى الطريق المستقيم ، ناهيك على أنه المعجزة الخالدة الباقية على مر الزمان والمكان ، وحفظه الله ﷻ من التبديل ، والتحريف ، والتغيير ، فقال تعالى :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} الحجر/9 ، وقام الرسول ﷺ ببيان ما كُلِّف به ، مما يُشكل فهمه على الصحابة – رضوان الله عليهم – كى يكون هداية ورحمة لهم ، ولجميع المؤمنين قال تعالى :{ وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} النحل/64 ، ثم قيض الله ﷻ من بعده ﷺ أصحاباً أشداء رحماء فيما بينهم لبيانه للناس ، ثم تبعهم بعد ذلك علماء أجلاء ، نال هذا الكتاب الخالد اهتمامهم قديماً وحديثاً ، فقاموا بتفسير القرآن الكريم ، وتوضيح غريبه ومعانيه ، يأتي كل مفسر لينهل من هذا النبع الصافي بما يُشبع أهل زمانه ولمن يأتي بعدهم ، وقد اتخذت هذه العناية أنماطاً متعددة ، منها ما يرجع إلى إعجازه وأسلوبه ، وأخرى ترجع إلى أدائه ولفظه ، وثالثة بيانه وتفسيره ، ورابعة إلى رسمه وكتابته ، واختلفت مناهج هؤلاء المفسرين ، وتعددت ثقافاتهم ، وتلونت مشاربهم .
ولا ريب في أن العمر الذى يعيش فيه المسلم مع القرآن الكريم ، قراءة ، وتدبراً ، وفهماً، وكشف النقاب عن بعض جواهره المكنونة ، ودرره المصونة ، لهو من أفضل الأعمال ، وأجلها ، وأقوم المقاصد وأشرفها .
كما أنه لا خلاف أيضاً بين العلماء أن التعبير، والنسق القرآني لهو نسق وتعبير فريد، لأنه تنزيل من رب العالمين، ولذلك أبهر العرب، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة، وتحداهم الله به فعجزوا عن الإتيان بمثله، أو بعشر سور، أو بسورة واحدة.
إن التعبير القرآني تعبير مقصود ، له حكمته ووجاهته ، فكل لفظة فيه لم توضع هباء ، وإنما لحكمة وغاية جليلة ، فكل كلمة وضعت في المكان الذى يقتضيه السياق القرآني ، بحيث إن الكلمة لا توضع مكان الأخرى وإن كانت تشابهها وتقاربها في المعنى ، وهذا ما دعا بعض المسلمين ممن يقرؤون القرآن الكريم بدون تدبر ، وإمعان أن يقرؤه على وجه الإجمال بدون فهم ، والوقوف على أسراره ، ودرره الثمينة التي لا تعد ولا تحصى ، كما فعل الأوائل الذين تدبروه ،وأعملوا عقولهم فيه حتى وقفوا على كثير من أسرار إعجازه ، ووجه الحكمة والبراعة فيه، وأدركوا أسرار التراكيب في النسق القرآني ، ودقة اختيار الكلمات.
ومن هنا جاء هذا البحث للوقوف على بعض هذه الأسرار ، والدرر للتعبير القرآنى من خلال سورة الهمزة ، والتي ربما لا يجد القارئ أدنى صعوبة في قراءتها ، وفهم الكثير من معانيها ، وقد آثرت اختيار هذه السورة الكريمة لتكون مثالاً ونموذجاً أقف من خلاله على دقة الاستعمال القرآني ، والدقة في اختيار الكلمات ، ومدى تناسب وترابط الآيات بعضها ببعض ، وصياغتها صياغة فنية إبداعية ، وبيان الكثير من الدقائق ، واللطائف ، والنكات التي ربما تخفى على الكثير ، لبيان مدى إعجاز القرآن الكريم ، وأنه { لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت/42 .
ومن هنا جاء هذا البحث تحت عنوان:(اللطائف التفسيرية في سورة الهمزة المكية).
ولا أدعى لبحثى هذا الكمال ، وأننى وقفت على جل اللطائف التفسيرية التي وردت بالسورة الكريمة ، وإنما هي محاولة للوقوف على كشف اللثام عن الكثير منها بقدر الطاقة البشرية، وبما يفتحه الله ﷻ على عبده .