الاشتباه المبرر للاستيقاف؛ دراسة تأصيلية مقارنة Suspicion Justifying Stopping Procedure" An Inductive- Comparative Study
Abstract
تتميز مرحلة التحري والاستدلال (التي ينتمي إجراء الاستيقاف اليها) باستهدافها الكشف عن الجرائم وجمع المعلومات عنها وتعقب مرتكبيها، ولهذا فهي لا تعدو في الأصل أن تكون مجرّد تلمُّسٍ لظاهر الأدلة دون اتخاذ أي إجراء ماسٍّ بحقوق وحريات الأفراد، ولهذا كان موضوع الاشتباه لغايات الاستيقاف، ليس وجود دلائل على قيامه بسلوك إجرامي معين، إنما مجرد قيام الدلائل الكافية لوضعه في موضع الشبهة لا أكثر.
وفي هذا البحث، نسلّط الضوء على أساس اشتراط الشبهة الكافية لتبرير الاستيقاف، والمتمثلة فيما يمكن تسميتها بقرينة البراءة الإجرائية، وأساس تقدير مدى كفاية الشبهة لتبرير الاستيقاف، والمتمثل في مدى خطورته على الحرية الشخصية، وهو ما يدخلنا إلى مفهوم نسبية الإجراء، الذي يقتضي عقلاً ومنطقاً أنه وكلما كان الإجراء أكثر خطورة على الحقوق والحريات الفردية، كانت الضمانات التي تحيطه وتُسوّره -كي لا يساء استعماله- أكثر شدة، ومن قبيل هذه الضمانات توافر ما يكفي من دلائل لتبرير خرق قرينة البراءة الإجرائية باتخاذ الإجراء المعني، باعتبار أن قرينة البراءة لا تصاحب الحكم الصادر في الدعوى فقط، إنما تمتد مراحل توظيفها الفعال إلى جميع مفارق الدعوى الجزائية ومراحلها، والتي تمتد من الاستيقاف موضوع هذا البحث في مرحلة التحقيق الأولي مروراً بالتحقيقين الابتدائي والانتهائي، وانتهاء بالحكم الصادر في الدعوى الجزائية.
وفي هذا البحث أيضاً، ندرس إشكاليتي الاشتباه العام والاستيقاف العشوائي، والأساس القانوني الذي ساقه الفقه والقضاء لتبريره، والممايزة في ذلك تبعاً لنوع المركبة -عامة كانت أم خاصة. إضافة إلى أنه وتبعاً للطبيعة الاستثنائية للتحفظ النابع من الاستيقاف، وأساسه المستند إلى نظرية الضرورة الاجرائية، يشترط في الدلائل الكافية له أن تكون عفوية؛ أي أن تتصل بعلم سلطة الاستدلال عفواً وتلقائياً، لا أن تعلم بها بشكل مسبق. إضافة إلى أن ما يبطل الاستيقاف ويرتب أثره في امتداد البطلان هو الإجراء الفعلي أو الحقيقي؛ سواء أكان ذلك الذي تمّ أو على الأقل شرع باتخاذه؛ أما الإجراء المتخيّل أو الذي لم يعد أن يكون في ظن المتهم وخياله وأوهامه، فلا يجوز القول ببطلانه، علاوة على أن يرتب أثره في امتداد بطلانه (المفترض) إلى غيره من الإجراءات.
أخيراً فندرس في هذا البحث العلاقة بين الشبهة المبررة للاستيقاف، وبين الظروف التي تنبئ في ذاتها وبشكل يقيني عن التلبس بارتكاب جريمة بذاتها، والتي تتجلى في معيارين: معيار كمي، يتمثل في أن الشبهة الكافية للاستيقاف، لا تكفي بالضرورة لقيام حالة التلبس، والتي يلزم لقيامها أن نتعدى مرحلة الاشتباه القائم على الظن، إلى التلبس القائم على اليقين. وكذلك معيار نوعي، يتمثل في أنه لا يلزم لقيام الشبهة الكافية للاستيقاف، أن يكون محلها جريمة معينة بذاتها، وإنما مجرد سلوك غير مشروع دون تحديد نوعه وماهيته؛ في حين يلزم لقيام حالة التلبس أن تكون المظاهر الخارجية التي اتصل علم رجل الضبط بها بإحدى حواسه قاطعة بماهية الجريمة المرتكبة. وبناء عليه، كانت مظاهر الحيرة والارتباك كافية في ذاتها للدلالة على الاشتباه المبرر للاستيقاف، لكن غير كافية في ذاتها للإنباء عن قيام حالة التلبس، باعتبار اختلال شرط يقينية التلبس في هذه الحالة، والتي تعني أن تقطع المظاهر الخارجية المشاهدة من رجل الضبط بوقوع جريمة محددة بذاتها.