كفاية الدلائل المبررة لإجراء التفتيش
Abstract
اشترطت أغلب التشريعات المقارنة لصحة التفتيش توافر الدلائل الكافية على الاتهام، وعلى وجود أشياء تفيد التحقيق مع شخص ما أو في مكان معين. وفي هذه الدراسة، نجد أن هنالك مستويين اثنين لكفاية الدلائل المبررة للتفتيش: مستوى يتمثل في قيام الدلائل الكافية لاتهام أحد الأشخاص (سواء المراد تفتيشه أو مسكنه أو غيره) بارتكاب جريمة معينة -هي محل التحقيق- إليه، وهذه ما يمكن تسميتها بكفاية الدلائل لثبوت سبب التفتيش. ومستوى ثانٍ، يتمثل في قيام الدلائل الكافية للقول بوجود أشياء ومتعلقات ترتبط بالجريمة محل الاتهام وتفيد في التحقيق بها، وهذه ما يمكن تسميتها بكفاية الدلائل لثبوت غاية التفتيش، وهما مستويان متمايزان لكل منهما ذاتيته المستقلة التي تميزه.
كذلك نجد في هذه الدراسة أن كفاية الدلائل المتطلبة للتفتيش، تمتاز بخصوصية تبرز في علاقة التفتيش بالقبض؛ فلما كان التفتيش إجراء أقل خطورة وجسامة على حرية الأفراد من القبض، فقد كانت القاعدة المقررة فقهاً أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض يجوز فيها التفتيش، وهو ما يثبت خصيصة أساسية وجوهرية في الإجراءات الجزائية، تتمثل في نسبية الإجراء، والتي تقرر أنه -وكلما كان الإجراء أكثر خطورة (سواء على المركز الإجرائي للمتهم أو بالعموم على حقوقه وحرياته)، زادت الشكلية المتطلبة لاتخاذه وزادت ضماناته بوجه عام، الموضوعية منها والشكلية، والتي من بينها توافر الكفاية المتطلبة بدلائل الاتهام لتبرير اتخذا الإجراء الجزائي المعني. إلا أننا سنجد أن القاعدة التي تقرر أن الدلائل التي تعتبر كافية للقبض تعتبر كافية حكماً وبشكل آلي للتفتيش، محصورة فقط في نطاق تفتيش الأشخاص، دون تفتيش المساكن، حيث سنؤصل في هذا البحث لمثل هذه الممايزة بين نوعي التفتيش.
وأخيراً، نجد أنه في حال ما إذا بني التفتيش على إجراء تحقيقي سابق عليه، فلا تشترط به الجدية لتقرير صحته، باعتبار أن الإجراء التحقيقي يتمتع بقرينة الجدية نظراً لصفة النزاهة والحياد التي تتمتع بها سلطة التحقيق، إلا أن مثل هذه القرينة بسيطة لا مطلقة، إذ يجوز إثبات خلافها من جهة الدفاع، وصولاً إلى إبطال التفتيش إذا ثبتت عدم جدية التحقيقات. أما التحريات التي تجريها سلطات الضبط الجنائي، فلا بد للنيابة العامة أن تثبت جديتها أمام المحكمة لإثبات صحة التفتيش؛ باعتبار ألا افتراض فيها كما هو الحال في جدية التحقيقات، لعدم توافر أساس افتراضها، والقرينة على وجودها، والمستمدة من نزاهة وحياد الجهة التي تجريها.