من إسقاطات الثابت على المتغير-التحرير والتنوير
Abstract
كان لعالمية القرآن – ومازال- الدّور الرّئيس في حملات تفسيره منذ نزول القرآن حتى يومنا هذا ،إلاّ أنَّ قيام علم مُؤسَّس على منهج واضح المعالم ،يضطلع بمهمَّة كشف الدَّلالة وتلقي النَّص القرآني لم تظهر ملامحه بعد ،و إن كان أوَّل العلوم وجودا ؛فغلبة الأسلوب الفقهي على التَّفسير ،واستثمار كل مباحث التَّأويل والدَّلالة الَّتي ألمح إليها علماء الأصول وصرَّح بتبنَّيها أكثر المفسِّرين لم تُحط بالمحاور القرآنية بشكل عام ،وإن اعتمدت على الدَّلالة بمختلف مستوياتها الإفرادية (الدلالة الوضعية والشرعية والعرفية ...) ،والتركيبية مع تبعية الألفاظ لها :فالعلم بالمقاصد ضرورة أساسيَّة في تحقيق الخطاب لأغراضه ،وهي أغراض متنوعة بين التَّشريع ،و السَّرد ،و الوصف ،والوعظ ،وبيان الحقائق العلمية والمحاجاة بها ، و لأنَّ القرآن خطاب تداولي ونصٌّ مركزيٌّ ،له ظاهر وباطن موجَّه للبشريَّة قاطبة ،يكون المفسِّر له وسيطا مُعينا لنقل الخطاب إلى النَّاس ، كان "الطَّاهر بن عاشور" في تفسيره (التَّحرير والتَّنوير) صاحب نظرة علميَّة معاصرة ،مُرتكزا على مقوّمات النَّحو الوظيفي المنطلقة أساسا من اللَّغة العربيَّة المستعملة ،لا تحميل كلام الله عز وجل التَّأويلات بمجرد الاحتمال النَّحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام ،بل تقديم القرآن للنَّاس ليفهموه في ضوء أحوالهم وظروفهم وبما يتناسب مع معطياتهم الواقعيَّة ،وهذا ما حاول المقال بسطه ،لبيان الجدّة في تفسير ابن عاشور.