مقبولية شهادة الأطفال في جرائم الاعتداء الجسدي الواقعة عليهم، دراسة في قوانين دول النظام الأنجلوأمريكي
Abstract
نظراً لتزايد الجرائم الواقعة على الأطفال، وتبعاً لاتخاذ أغلبها طابعاً خفياً لا يترك خلفه أية أدلة مادية كافية للوصول إلى الجناة، ما يجعل معه شهادة الطفل المعتدى عليه أساسية للوصول إلى الحقيقة، فقد تنامت في الأنظمة الأنجلوأمريكية اتجاهات تشريعية وقضائية تنحا إلى إعطاء مقبولية أكثر لشهادة الأطفال. ونستعرض في هذه الدراسة تطور هذه التجارب التشريعة والقضائية التي تقدمت على دول النظام اللاتيني بخطوتين: أولهما قبول شهادة الأطفال بالموثوقية والقيمة الثبوتية ذاتها لشهادة الكبار بعد تحليفهم اليمين، والثانية قبول شهادتهم حتى دون الحاجة لتوجيه اليمين إليهم والاكتفاء بتقديمهم وعداً بقول الحقيقة. وقد خلصت هذه الدراسة، إلى أن قوانين دول النظام الأنجلوأمريكي خلطت بشكل واضح، بين عناصر المقبوليتين الواقعية والقانونية لشهادة الأطفال وأن المقبولية الواقعية لشهادة الأطفال تختلف عن تلك القانونية (المتمثلة في فهم كنه اليمين وعواقبها أو فهم الالتزام بقول الحقيقة والوعد بها)؛ فالأولى مسألة قدرة على أداء شهادة واضحة وصحيحة، في حين أن الثانية مسألة رغبة في إعطاء شهادة موثوقة وذات مصداقية، من خلال تمهيدها لتحليف الطفل اليمين، أو ما يقوم مقامها من الوعد بقول الحقيقة؛ في حال ثبوت توافر عناصر المقبولية القانونية التي تعد متطلباتها. إضافة إلى ذلك، فلما كانت مسألة التفرقة بين الكذب والحقيقة، أبسط مفهوماً وأقل تعقيداً من مسألة إدراك عواقب الكذب، أو الالتزام بقول الحقيقة (كمسألتين متعلقتين بالمقبولية القانونية لشهادة الأطفال)؛ فقد تتوافر المقبولية الواقعية لشهادة الطفل (بتوافر عناصرها)، دون أن تتوافر المقبولية القانونية لها. من ناحية أخرى، توصلت هذه الدراسة إلى أن مسألة المقبولية الواقعية لشهادة الأطفال مسألة أولية، يلزم البحث فيها برأينا قبل المقبولية القانونية لها، ببساطة لأنها شرط لازم ومقدمةٌ لا بد من البتّ فيها ابتداء، قبل البحث في المقبولية القانونية لشهادة الاطفال. فعلى سبيل المثال، يلزم البحث أولاً فيما إذا كان الطفل قادراً أصلاً وابتداء على التمييز بين الكذب والحقيقة، قبل الانتقال للبحث فيما إذا كان يرغب في قول الحقيقة، أي ما إذا كان لديه ما يدفعه لقول الحقيقة من حسّ أخلاقي أو ديني، أو إدراك لعواقب الكذب. كذلك، توصلت الدراسة إلى أن ثبوت عدم قدرة الطفل على التمييز بين الكذب والحقيقة، أو بين الواقع والخيال؛ ينحصر تأثيره –في أغلب القوانين الأنجلوأمريكية وتطبيقاتها القضائية، في وزن الشهادة وتقييمها من عداد بينات الدعوى وأدلتها، دون أن يؤثر في مدى كفاءة الطفل للشهادة ابتداء. في حين أن ثبوت عدم قدرة الطفل على إدراك التسلسل الزمني للأحداث، يترتب عليه عدم كفاءة الطفل للشهادة ابتداء، باعتبار أن هذا العنصر الأخير يتعلق بالقدرة على أعطاء شهادة واضحة ومفهومة. كما وتوصلت إلى أن ثبوت خلط الطفل بين الواقع والخيال، لا يؤثر في كفاءته للشهادة، طالما لم يؤثر في ذاكرته حول واقعة الدعوى ذاتها، فما يهم القضاء ليس ثبوت تمييز الطفل بوجه مطلق بين الواقع والخيال، إنما عدم تأثير هذه العلة على تذكره لأحداث محددة بعينها هي تلك التي كانت محلاً لواقعة الدعوى المنظورة. كذلك، فقد خلصت هذه الدراسة إلى أن لليمين علة يجب أن تقاس مدى قدرة الأطفال على حلفها تبعاً لتحقق هذه العلة بهم، ألا وهي مدى توافر الحس الديني والاخلاقي لديهم بوجوب قول الحقيقة. كما أنه ولما كانت اليمين هي الأداة القانونية لتحميل من يكذب في أقواله المسؤولية عن ذلك، فإن من المتوجب أيضاً قياس مدى فهم الطفل لعواقب كذبه فيها، قبل تقرير مقبولية شهادته تحت اليمين. كما أن تطور شهادة الأطفال في دول النظام الأنجلوأمريكي لا يقتصر فقط على قبول شهادة الأطفال بذات قيمة شهادة الكبار في حال فهمهم لكنه اليمين وعواقبها، بل إنها تضع حلاً لثبوت عجز الطفل عن فهم كنه المينين، يتمثل في الاكتفاء بقطع الطفل وعداً بقول الحقيقة للتثبت من ضمان صحة أقواله عوضاً عن اليمين. وفي كل ما تقدم، نستعرض الصيغ المقترحة لكيفية تحقق المحاكم وجهات التحقيق من توافر المتطلبات القانونية للتوثق من صحة الشهادة والإشكالات التي تواجه كلاً منها، والمدى الذي وصل إليه كل تشريع واجتهاد قضائي حولها، وذلك ابتداء من متطلبات اليمين كفهم طبيعتها وعواقبها، حيث نستعرض كيف تطورت ابتداء من ربطها بالأساس الديني لليمين انتهاء بالاكتفاء بالأساس الأخلاقي لها. إضافة إلى توافر متطلبات الوعد بقول الحقيقة كفهم ماهية الالتزام بقول الحقيقة ومفهوم الوعد بقولها. كل ذلك ندرسه من خلال التعامل مع قوانين دول النظام الانجلوأمريكي كوحدة واحدة، مقررين ان التطور في احداها يعد تطوراً في جسد النظام الانجلوامريكي ككل، باعتبار ما يلاحظ من تأثر هذه القوانين ببعضها البعض والتطور الذي يصيب بعضها متأثرة بالبعض الآخر وهكذ